فصل: فصلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي الْوَطْءِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ:

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ، وَالْمُرَادُ مَوْضِعُهُمَا وَهُوَ: الْوَجْهُ وَالْكَفُّ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّينَةِ الْمَذْكُورَةِ مَوْضِعُهَا، وَلِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدَمِهَا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ، لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الضَّرُورَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعَيْهَا أَيْضًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
فَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ، وَقَوْلُهُ لَا يَأْمَنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إذَا شَكَّ فِي الِاشْتِهَاءِ كَمَا إذَا عَلِمَ أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ.
الشرح:
فصلٌ فِي الْوَطْءِ، وَالنَّظَرِ، وَالْمَسِّ:
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: هِيَ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ.
قُلْت: الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثَنَا مُسْلِمٌ الْمُلَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: هِيَ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ. انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ ثَنَا مُسْلِمٌ الْمُلَائِيُّ بِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ نَحْوَهُ سَوَاءً، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَغَرِيبٌ.
مَا خَالَفَ ذَلِكَ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قَالَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُقْبَةَ الْأَصَمِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، قَالَ: وَعُقْبَةُ الْأَصَمُّ تُكُلِّمَ فِيهِ، انْتَهَى.
وأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: هِيَ الثِّيَابُ. انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ: «مَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحِلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» انْتَهَى.
وَ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّيْهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ) لِقِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى بِخِلَافِ النَّظَرِ، لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى وَالْمُحَرَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى، فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَلَمْسِ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَدْخُلُ بَعْضَ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِيهِمْ، وَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ وَتُفَلِّي رَأْسَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا لَا تَحِلُّ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قُلْت: غَرِيبٌ.
قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ.
قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ، وَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَهُ، وَتُفَلِّي رَأْسَهُ.
قُلْت: غَرِيبٌ أَيْضًا (وَالصَّغِيرَةُ إذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى يُبَاحُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا) لِعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهَا، وَلِلشَّاهِدِ إذَا أَرَادَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا النَّظَرُ: إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ، وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْصَدَ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، أَوْ الْحُكْمُ عَلَيْهَا لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَمَّا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ قَصْدُ الْقَبِيحِ، وَأَمَّا النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إذَا اشْتَهَى قِيلَ: يُبَاحُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ، لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا تُشْتَهَى فَلَا ضَرُورَةَ بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ.
(وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْتَهِيهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ: «أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ السُّنَّةِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَة.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَبْصِرْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي النِّكَاحِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا، أَيْ أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، وَأَبِي حُمَيْدٍ. انْتَهَى.
ورَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ بَكْرٍ بِهِ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ، فَخَطَبْتُ جَارِيَةً، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ وَاقِدًا هَذَا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَوَاقِدٌ الْمَعْرُوفُ إنَّمَا هُوَ وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ، الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَدَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ أَيْضًا، وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَدَنِيِّينَ، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْهُ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَأَمَّا وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَا أَعْرِفُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالتِّسْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي النِّكَاحِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً: فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا فِي النَّوْعِ السَّادِسِ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، قَالَ: «خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى نَظَرْتُ إلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا، وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ مِنْكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» انْتَهَى.
ورَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ صِرْمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ عَمِّهِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، فَمَرَّتْ ابْنَةُ الضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ، فَجَعَلَ يُطَارِدُهَا بِبَصَرِهِ، الْحَدِيثَ، إلَى آخِرِهِ.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ، انْتَهَى.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: إبْرَاهِيمُ بْنِ صِرْمَةَ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. انْتَهَى.
وأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ عَمِّهِ سُهَيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، وَسَمَّى الْمَرْأَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، نُبَيْهَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ، وَسَمَّاهَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نُبَيْشَةَ، وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بُثَيْنَةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا إذَا كَانَ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَيْهَا لِلْخِطْبَةِ»، انْتَهَى.
ورَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْأَنْصَارِيِّ بِهِ.
(وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ مِنْهَا) لِلضَّرُورَةِ.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً مُدَاوَاتَهَا)، لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَسْهَلُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا يَسْتُرُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ) ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ، لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَصَارَ كَنَظَرِ الْخَافِضَةِ وَالْخِتَانِ.
(وَكَذَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الِاحْتِقَانِ مِنْ الرَّجُلِ)، لِأَنَّهُ مُدَاوَاةٌ وَيَجُوزُ لِلْمَرَضِ، وَكَذَا لِلْهُزَالِ الْفَاحِشِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْمَرَضِ.
قَالَ: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ»، وَيُرْوَى: «مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ» وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّرَّةَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ، وَمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْكَمَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُعْتَمَدًا فِيهِ الْعَادَةُ، لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ»، وَأَبْدَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ لِجَرْهَدٍ: «وَارِ فَخِذَك، أَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ»، وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْفَخِذِ وَالسَّاقِ فَاجْتَمَعَ الْمُحَرَّمُ وَالْمُبِيحُ وَفِي مِثْلِهِ يَغْلِبُ الْمُحَرَّمُ وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ، وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ حَتَّى إنَّ كَاشِفَ الرُّكْبَةِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ، وَكَاشِفُ الْفَخِذِ يُعَنَّفُ عَلَيْهِ وَكَاشِفُ السَّوْأَةِ يُؤَدَّبُ إنْ لَجَّ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَشَرَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الرُّكْبَةُ مِنْ الْعَوْرَةِ».
قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ عَشَرَ: وَأَبْدَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ سُرَّتَهُ، فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ.
قُلْت: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: اكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِك جُعِلْتُ فِدَاك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُهُ، قَالَ: فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَقَبَّلَ سُرَّتَهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ مَا كَشَفَهَا»، انْتَهَى.
وكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ ابْنُ حِبَّانَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ بِهِ، وَسَنَدُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ بِهِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ خِلَافُ هَذَا، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ ثَوْبَك حَتَّى أُقَبِّلَ حَيْثُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ، فَرَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سُرَّتِهِ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَرْهَدٍ: «أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؟».
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْحَمَّامِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ: جَرْهَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ أَنَّهُ قَالَ: «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا، وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ؟»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ جَدِّهِ جَرْهَدٍ، قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَرْهَدٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَدْ انْكَشَفَ فَخِذُهُ، فَقَالَ: إنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَطِّ فَخِذَك، فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوْرَةِ»، انْتَهَى.
وقَالَ أَيْضًا: حَدِيثٌ حَسَنٌ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ»، انْتَهَى.
وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
وَبِسَنَدِ أَبِي دَاوُد رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَزُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ زُرْعَةُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ فَقَدْ وَهَمَ. انْتَهَى.
ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ حَدَّثَنِي آلُ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ جَدِّهِ جَرْهَدٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ لَهُ عِلَّتَانِ:
إحْدَاهُمَا: الِاضْطِرَابُ الْمُؤَدِّي لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ بْنُ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: زُرْعَةُ عَنْ آلِ جَرْهَدٍ عَنْ جَرْهَدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَإِنْ كُنْت لَا أَرَى الِاضْطِرَابَ فِي الْإِسْنَادِ عِلَّةً، فَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ثِقَةً، فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّهُ اخْتِلَافُ النَّقَلَةِ عَلَيْهِ إلَى مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ، أَوْ رَافِعٍ وَوَاقِفٍ، أَوْ وَاصِلٍ وَقَاطِعٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الَّذِي اضْطَرَبَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ غَيْرَ ثِقَةٍ، أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، فَالِاضْطِرَابُ يُوهِنُهُ، أَوْ يَزِيدُهُ وَهْنًا وَهَذِهِ حَالُ هَذَا الْخَبَرِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ زُرْعَةَ، وَأَبَاهُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْ الْحَالِ، وَلَا مَشْهُورَيْ الرِّوَايَةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكْشِفْ فَخِذَك، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ فِيهِ نَكَارَةٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي الْجَنَائِزِ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبٍ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد تَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ حَبِيبٍ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا رَجُلًا مَجْهُولًا، انْتَهَى.
وَبِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي اللِّبَاسِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَيُرَاجَعُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ، وَقَالَ: إنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ حَبِيبٍ، وَلَا حَبِيبٌ مِنْ عَاصِمٍ، وَعَاصِمٌ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيّ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ»، انْتَهَى.
وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ فَرَأَى فَخِذَهُ مَكْشُوفَةً، فَقَالَ: غَطِّ فَخِذَك، فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنْ عَوْرَتِهِ»، انْتَهَى.
وسَكَتَ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَأَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ.
فَقِيلَ: زَاذَانُ.
وَقِيلَ: دِينَارٌ.
وَقِيلَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.
ضَعَّفَهُ شَرِيكٌ، وَيَحْيَى فِي رِوَايَةٍ، وَوَثَّقَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى عَنْهُ إسْرَائِيلُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مَنَاكِيرَ جِدًّا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: فَحُشَ خَطَؤُهُ، وَكَثُرَ وَهَمُهُ، حَتَّى سَلَكَ غَيْرَ مَسْلَكِ الْعُدُولِ فِي الرِّوَايَاتِ. انْتَهَى.
ورَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ ثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَيَّ مَعْمَرٌ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَفَخِذُهُ مَكْشُوفَةٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَك، فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ»، انْتَهَى.
وهَذَا مُسْنَدُ صَالِحٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ سِتِّ طُرُقٍ دَائِرَةٍ عَلَى الْعَلَاءِ قَبْلُ، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الْفَضَائِلِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ.
حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: فَانْحَسَرَ الْإِزَارُ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ، وَأَنَّ الْمُرَادَ انْحَسَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، لِضَرُورَةِ الْإِجْرَاءِ، انْتَهَى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي النِّكَاحِ وَفِي الْمَغَازِي.
(وَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ يُبَاحُ الْمَسُّ)، لِأَنَّهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا آمَنَتْ الشَّهْوَةَ) لِاسْتِوَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ، وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا، وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الرَّجُلَ إلَيْهَا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْظُرْ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ اعْتِبَارًا، فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَانِبَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: (وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ) لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ، بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ، لِأَنَّ الرِّجَالَ يَحْتَاجُونَ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، وَزَوْجَتِهِ إلَى فَرْجِهَا) وَهَذَا إطْلَاقٌ فِي النَّظَرِ إلَى سَائِرِ بَدَنِهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك» وَلِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسِّ وَالْغَشَيَانِ مُبَاحٌ فَالنَّظَرُ أَوْلَى.
إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى لَا يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ».
وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النِّسْيَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَبُو دَاوُد فِي الْحَمَّامِ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَالنَّسَائِيُّ، فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا، وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَرَيَنَّهَا، فَلَا تَرَيَّنَهَا، قَالَ: قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا، قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْ النَّاسِ».
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي اللِّبَاسِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ ابْنِ أَنْعُمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: «أَتَى عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْتَحْيِي أَنْ يَرَى أَهْلِي عَوْرَتِي، قَالَ: وَلِمَ وَقَدْ جَعَلَك اللَّهُ لَهُمْ لِبَاسًا، وَجَعَلَهُمْ لَك لِبَاسًا؟ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَإِنَّهُنَّ يَرَيْنَهُ مِنِّي، وَأَرَاهُ مِنْهُنَّ، قَالَ: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ بَعْدَك إذًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمَّا أَدْبَرَ عُثْمَانُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ ابْنَ مَظْعُونٍ لَحَيِيٌّ سِتِّيرٌ»، انْتَهَى.
وَسَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ هَذَا مِصْرِيٌّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ: رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَفْرِيقِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، أَمُسْنَدٌ هُوَ، أَمْ مُرْسَلٌ؟ انْتَهَى.
ورَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ الْعَلَاءِ بِهِ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ.
فَحَدِيثُ عُتْبَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا يَتَجَرَّدُ تَجَرُّدَ الْعِيرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَابِرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ سَرْجِسَ: فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيُلْقِ عَلَى عَجُزِهِ وَعَجُزِهَا شَيْئًا، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَصَدَقَةُ يُضَعَّفُ، انْتَهَى.
ورَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ، وَيُرَاجَعُ النَّسَائِيّ، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ بِصَدَقَةَ، وَقَالَ:
إنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بَعْدَهُ بِزُهَيْرٍ، وَقَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ.
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ النَّسَائِيّ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَشِ هَكَذَا إلَّا مِنْدَلٌ، وَأَخْطَأَ فِيهِ، وَذَكَرَ شَرِيكٌ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ، وَعِنْدَهُ عَاصِمٌ، وَمِنْدَلٌ، فَحَدَّثَ بِهِ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ»، الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ. انْتَهَى.
قُلْتُ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي النِّكَاحِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ بِهِ كَذَلِكَ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِمِنْدَلٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَبِي مَعِينٍ، وَالسَّعْدِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَخْطَأَ فِيهِ مِنْدَلٌ. انْتَهَى.
ونَقَلَ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ كَذَبَ فِيهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ: أَنَا أُخْبِرْتُ بِهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ. انْتَهَى.
قُلْتُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا أَبُو غَسَّانَ ثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ سَوَاءً.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُغْبَةَ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ اسْتَحْيَتْ الْمَلَائِكَةُ فَخَرَجَتْ، وَبَقِيَ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ»، انْتَهَى.
ورَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ: فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ ثَنَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرَيْنِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: لَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَهُ، فَقَالَ فِي الِاسْتِئْذَانِ بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاسْتِتَارِ عِنْدَ الْجِمَاعِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَيْزَكٍ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو مُحَيَّاةَ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى. انْتَهَى.
وفِي دُخُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ نَظَرٌ، يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي النَّظَرَ إلَى الْعَوْرَةِ يُورِثُ النِّسْيَانَ، لِوُرُودِ الْأَثَرِ: قُلْت: غَرِيبٌ، وَوَرَدَ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى فِي حَدِيثَيْنِ ضَعِيفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى»، انْتَهَى.
وَجَعَلَاهُ مِنْ مُنْكَرَاتِ بَقِيَّةَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بَقِيَّةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ بَعْضُ الضُّعَفَاءِ، أَوْ الْمَجْهُولِينَ، انْتَهَى.
ومِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ بَقِيَّةُ يَرْوِي عَنْ كَذَّابِينَ وَثِقَاتٍ، وَيُدَلِّسُ، وَكَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يُسْقِطُونَ الضُّعَفَاءَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَيُسَوُّونَهُ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذَا مِنْ بَعْضِ الضُّعَفَاءِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ثُمَّ دُلِّسَ عَنْهُ، فَالْتَزَقَ بِهِ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ. انْتَهَى.
وقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَبَقِيَّةُ كَانَ يُدَلِّسُ. انْتَهَى.
والْحَدِيثُ الْآخَرُ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَقْدِسِيَّ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُشَيْرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَنْظُرْ إلَى الْفَرْجِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى، وَلَا يُكْثِرْ الْكَلَامَ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْخَرَسَ»، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْأَزْدِيُّ: إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ سَاقِطٌ انْتَهَى قَوْلُهُ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ.
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
قَالَ: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَضُدَيْنِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَفَخِذِهَا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الْآيَةَ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ وَهِيَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّاعِدُ وَالْأُذُنُ وَالْعُنُقُ وَالْقَدَمُ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ، بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ، وَلِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَاحْتِشَامٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً فَلَوْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ، وَكَذَا الرَّغْبَةُ تَقِلُّ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ، فَقَلَّمَا تَشْتَهِي بِخِلَافِ مَا وَرَاءَهَا، لِأَنَّهَا لَا تَنْكَشِفُ عَادَةً.
وَالْمَحْرَمُ مَنْ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ كَانَ أَوْ بِسَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَيَيْنِ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ مَا جَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْهَا) لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُسَافَرَةِ وَقِلَّةِ الشَّهْوَةِ لِلْمَحْرَمِيَّةِ، بِخِلَافِ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا حَيْثُ لَا يُبَاحُ الْمَسُّ، وَإِنْ أُبِيحَ النَّظَرُ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُتَكَامِلَةٌ.
(إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ) فَحِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ وَلَا يَمَسُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ» وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَغْلَظُ فَيُجْتَنَبُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْقَدْرِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنْ الزِّنَا، مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ، أَوْ يُكَذِّبُهُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْت شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى، وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ»، انْتَهَى.
(وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا، فَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا، وَيَأْخُذَ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا دُونَ مَا تَحْتَهُمَا إذَا أَمِنَا الشَّهْوَةَ، فَإِنْ خَافَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا تَيَقُّنًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ بِجُهْدِهِ، ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهَا الرُّكُوبُ بِنَفْسِهَا يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا يَتَكَلَّفُ بِالثِّيَابِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ حَرَارَةُ عُضْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الثِّيَابَ يَدْفَعُ الشَّهْوَةَ عَنْ قَلْبِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قَزَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: ثَلَاثًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظَةِ: يَوْمَيْنِ، وَأَخْرَجَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ، فَوْقَ ثَلَاثٍ»، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ، وَفِي لَفْظٍ: يَوْمٍ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد: بَرِيدًا، وَهِيَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ مَعَ النِّسَاءِ لِلْمَحَارِمِ، وَبِاَلَّذِي بَعْدَهُ، لِلْخَلْوَةِ بِهِنَّ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَبَايُنٌ، وَلَا اخْتِلَافٌ، وَبَاقِي الْكَلَامِ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ: قَوْلُهُ: «لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ»، وَهُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ.
فَحَدِيثُ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ، قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي كِتَابِ الْعِلْم، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَعَادَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا»، مُخْتَصَرٌ.
وَحَدِيثُ عَامِرٍ: أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةِ عَنْ أَبِيهِ، مَرْفُوعًا نَحْوُهُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
وَحَدِيثُ الْكِتَابِ: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ».
قَالَ: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ مَمْلُوكَةِ غَيْرِهِ إلَى مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ)، لِأَنَّهَا تَخْرُجُ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَتَخْدُمُ أَضْيَافَهُ، وَهِيَ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا فَصَارَ حَالُهَا خَارِجَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ كَحَالِ الْمَرْأَةِ دَاخِلَهُ فِي حَقِّ مَحَارِمِ الْأَقَارِبِ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ أَلْقِي عَنْكِ الْخِمَارَ يَا دَفَارِ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ، وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ إلَّا إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، بَلْ أَوْلَى لِقِلَّةِ الشَّهْوَةِ فِيهِنَّ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِمَاءِ، وَلَفْظَةُ الْمَمْلُوكَةِ تَنْتَظِمُ الْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ، وَالْمُسْتَسْعَاةُ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا عُرِفَ، وَأَمَّا الْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ مَعَهَا فَقَدْ قِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي الْمَحَارِمِ، وَقَدْ قِيلَ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِيهِنَّ، وَفِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأَصْلِ الضَّرُورَةَ فِيهِنَّ، وَفِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُجَرَّدَ الْحَاجَةِ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْتَهِيَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ قَالَ مَشَايِخُنَا: رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ، وَفِي غَيْرِ حَالَةِ الشِّرَاءِ يُبَاحُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ بِشَرْطِ عَدَمِ الشَّهْوَةِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَكَانَ عُمَرُ إذَا رَأَى جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً عَلَاهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: أَلْقِي عَنْكِ الْخِمَارَ، يَا دَفَارِ، تَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ؟.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مُخْتَمِرَةً، مُتَجَلْبِبَةً، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ جَارِيَةٌ لِفُلَانٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِيهِ فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى أَنْ تُخْمِرِي هَذِهِ الْأَمَةَ، وَتُجَلْبِبِيهَا حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقَعَ بِهَا، لَا أَحْسِبُهَا إلَّا مِنْ الْمُحْصَنَاتِ، لَا تُشَبِّهُوا الْإِمَاءَ بِالْمُحْصَنَاتِ. انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْآثَارُ بِذَلِكَ عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ.
قَالَ: (وَإِذَا حَاضَتْ الْأَمَةُ لَمْ تُعْرَضْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) وَمَعْنَاهُ بَلَغَتْ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ مِنْهَا عَوْرَةٌ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُشْتَهَى وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْبَالِغَةِ لَا تُعْرَضُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ.
قَالَ: (وَالْخَصِيُّ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ، فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامِعُ، وَكَذَا الْمَجْبُوبُ، لِأَنَّهُ يَسْحَقُ وَيُنْزِلُ، وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ، لِأَنَّهُ فَحْلٌ فَاسِقٌ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِمُحْكَمِ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ فِيهِ، وَالطِّفْلُ الصَّغِيرُ مُسْتَثْنَى بِالنَّصِّ.
الشرح:
قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خِصَاءُ الْبَهَائِمِ مُثْلَةٌ، ثُمَّ تَلَا: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَضَائِلِ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ: الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْخَصِيِّ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ، وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ نَاجِحٍ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا إلَى مَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ كَالْمَحْرَمِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مُتَحَقِّقَةٌ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ.
وَلَنَا أَنَّهُ فَحْلٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا زَوْجٍ، وَالشَّهْوَةُ مُتَحَقِّقَةُ لِجَوَازِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْحَاجَةُ قَاصِرَةٌ، لِأَنَّهُ يَعْمَلُ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ الْإِمَاءُ.
قَالَ سَعِيدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا: لَا تَغُرَّنَّكُمْ سُورَةُ النُّورِ فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَقَالَ سَعِيدٌ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمَا: وَلَا تَغُرَّنَّكُمْ (سُورَةُ النُّورِ) فَإِنَّهَا فِي الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ.
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ثَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ طَارِقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَا تَغُرَّنَّكُمْ الْآيَةُ «إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» إنَّمَا عَنَى بِهِ الْإِمَاءَ، وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الْعَبِيدَ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَمْلُوكُ عَلَى مَوْلَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهَا)، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى الْعَزْلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت» وَلِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّ الْحُرَّةِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا تُخَيَّرُ فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ فِي الْوَطْءِ فَلِهَذَا لَا يَنْقُصُ حَقُّ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَقَالَ لِمَوْلَى أَمَةٍ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت».
قُلْت: هُمَا حَدِيثَانِ: فَالْأَوَّلُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي النِّكَاحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحْرِزِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَيْهِمَا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ إِسْحَاقُ الطَّبَّاعُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَمِّ مُحْرِزِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا، خَالَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي النِّكَاحِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ، قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»، انْتَهَى.